مصر الآن
إلى من يراودهم حلم الخلافة .. التاريخ الدموي للدولة العثمانية
إلى من يراودهم حلم الخلافة .. إلى من يخلطون بين التاريخ الدموي للدولة العثمانية وبين مسلسلات حريم السلطان .. رسالة صغيرة
إن التاريخ يُنبئنا بأن العثمانيين كانوا يقتلون ويذبحون ويسرقون ويمارسون الغزو والاحتلال ثم يسمّون ذلك فتحاً إسلامياً. لقد ارتكبوا في سوريا ومصر “والأخيرة سنتحدّث عنها لاحقاً في مقال مستقل”، عشرات المذابح التي لا يقرّها دين أو عقل ولذا فإن عفرين كما نرى وبعيداً عن حسابات السياسة والاستراتيجية؛ هي امتداد منطقي لمذابح العثمانيين ضد الشعب السوري، من زاوية العمق التاريخي ومن زاوية فلسفة أردوغان في الغزو والعدوان واستخدام الإسلام كعنوان لتبرير ذلك، وهو منه براء.
* التاريخ يُحدّثنا وفي قلبه المرارة أن المجزرة الشهيرة التي ظلّت تتناقلها ألسن الطائفة المسلمة العلوية بكل أسى وكل حزن منذ قرون، والتي أدّت إلى شبه إنهاء الوجود العلوي في مدينة حلب “مجزرة التلل”. فبعد معركة ﻣﺮﺝ ﺩﺍﺑﻖ عام 1516م، جاء ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳﻠﻴﻢ ﺍﻷﻭﻝ محمّلاً، ﺑﺄﺣﻘﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﻴﻦ وغيرهم من الطوائف المسلمة ودخل حلب وأعمل فيها قتلاً.
وكان من أبرز وأشهر نتائج هذه المجزرة المروّعة قيام المحتل العثماني بصناعة تلالٍ من جثامين الشهداء في وسط المدينة ولذلك اشتهرت هذة المجزرة وعرفت باسم مجزرة “التلل”.
وﻗدّر عدد الشهداء ﺑﺤﻮﺍلي 40 ألفاً وقال البعض 90 ألفاً، وقيل أيضاً 200 ألف شهيد من الرجال والأطفال والنساء وكبار السن وعلماء الطائفة العلوية، وقد سالت الدماء الزكية في شوارع حلب كالسيل الجارف.
وتقع ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﻠﻞ قرب ﻗﻠﻌﺔ ﺣﻠﺐ ﺑــ 2 ﻛﻢ غرباً، وقد جاءت ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ، كما سبق وأشرنا، ﻣﻦ تلك ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ الشريفة التي حزّها المجرمون العثمانيون أجداد أردوغان بالسيف وهم في ذلك الفعل كانوا يؤسّسون لداعش والقاعدة وأخواتهما من تنظيمات الإرهاب المسلّح في سوريا والعراق ومصر، وتؤكّد بعض الروايات أن المحتل العثماني قام بحرق الأطفال والنساء أحياء ووضعهم في أفران عدرا العمالية، والذبح والسلخ وبقر البطون في حمص وشيّ الرؤوس في إدلب، وسحل الأجساد في الرقة، وغيرها الكثير.
وفي ما يلي نصّ الرسالة التي وجّهها قائد الحملة العسكرية العثمانية على المناطق التي يقطنها المسلمون السوريون، إلى سليم الأول وهي محفوظة في مكتبة ستراسبورغ الوطنية الجامعية الفرنسية، قسم المخطوطات العربية.
“بسم الله الرحمن الرحيم.
ﺗﺤﻴﺎﺕ ﺇﺟﻼﻝ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ:
ﺗﻨﻔﻴﺬﺍً لأﻭﺍﻣﺮ سعاﺩﺍت، ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﻨﻔﻴﺬ القرﺍﺭﺍﺕ والتوﺻﻴﺎﺕ، ﻭﻗﺘﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻯ سورية خاصة قرى النصيرية ﺣﺘﻰ ﺃﺩﻏﺎﻝ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻨﺴﺮ، ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺰﺭ ﻭﻭﺍﺩﻱ ﺧﺎﻟﺪ، ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺐ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻨﺼﺮ، ﻭﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺪ ﺍﻵﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺧﻠﺼﺖ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﻦ ﺁﻓﺔ ﻭﻋﻠّﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺍﺳﺘّﺘﺐ دين ﺍﻹﺳﻼﻡ، “العثماني” طبعاً!، ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ لهؤلاء السوريين ﺩﻳﺎﺭ ﻭلن يعيشوا ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺳﻠﻴﻢ، وقد أكلت ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﻢ وحوش الجبال وتماسيح الغاب، ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﺎﻟﺮﻏﺎﺏ، والله الموفّق للصواب.. لعنهم الله في كل كتاب، ودمتم بنور الله”.
* هكذا كان تعاملهم مع السوريين، إجراما يسمّونه إسلاماً، وقتلاً يسمّونه نصرة للدين، فهل اختلف هو عنهم عنفاً في عفرين اليوم، وفي باقي الجغرافيا السورية من مذابح بدأت منذ 7 سنوات باسم الربيع العربي والثورة السورية!
***
هذا ويُحدّثنا التاريخ أيضاً أن العثمانيين في بدايات غزوهم لبلاد الشام ارتكبوا عشرات المجازر الدامية نذكر منها:
1 – عام 1515م استباحة حلب ومعرّة النعمان أسبوعاً كاملاً ما أدّى إلى استشهاد 40 ألف في حلب، و15 ألفاً في معرّة النعمان.
2 – عام 1516م استباحة دمشق ثلاثة أيام ما أدّى إلى استشهاد 10 آلاف شخص.
3 – عام 1516م استباحة ريف إدلب وحماة وحمص والحسكة واستشهاد عشرات الآلاف من السكان.
4 – عام 1847م مذابح بدر خان حيث استشهد أكثر من 10 آلاف في منطقة حكاري.
5 – 1841 – 1860م مذابح جرت بعد خروج جيش محمّد علي باشا من لبنان في منطقة حاصبيا والشوف والمتن وزحلة حيث استشهد أكثر من 82 ألف لبناني.
6 – مذابح عام 1860م: وهي أعمال عنف وقعت بين السكان في المنطقة الممتدة بين دمشق إلى ساحل لبنان والبقاع، حيث كانت الدولة العثمانية تغذّي الصراع سرّاً وتزيد من الشرخ القائم بين السكان بسبب وقوف المسيحيين مع محمّد علي باشا، وفي دمشق تم قتل 25 ألفاً من السكان في تلك الأعمال وبتحريض ومساعدة الجيش العثماني ونهبت بيوتهم وتشرّدوا وقتلوا وهُدِمت أراضيهم وبيعت ممتلكاتهم.
7 – عام 1895م مجازر ديار بكر وطور عابدين وماردين حيث استشهد أكثر من 15 ألفاً من الأرمن والسريان والآشوريين.
8 – عام 1909م استشهاد 30 ألف أرمني في أضنة على يد جيش العثمانيين.
9 – 1914 – 1916 استشهاد 600 ألف من السريان والكلدان والآشوريين في منطقة جبال طوروس وجبل آزل وماردين والهاكاري.
10 – 1915 – 1916 م مجازر الأرمن والمُقدّر عدد الشهداء ما بين مليون ونصف المليون أرمني في منطقة ديار بكر – أرمينيا – أذربيجان – شمال العراق – شمالي حلب -الشدادة ودير الزور- الأناضول – أضنة – طور عابدين – طوروس.
11 – 1916 – 1920م مجازر السريان والكلدان والآشوريين حيث استشهد ما بين 400 – 500 ألف في سهل أورميا، وتُعرَف بمذابح سيفو.
12 – 1914 – 1923م مذابح الأرثوذكس واليونان البونتيك حيث استشهد أكثر من 350 ألفاً وتشرّد مئات الآلاف الآخرين.
***
* محرقة الأرمن:
هذا وتذكر لنا كتب التاريخ أن واحدة من أشهر جرائم العثمانيين والتي لا تسقط وقائعها بالتقادُم أبداً، تأتي جريمة قتل تمّت نسبياً بعيداً عن الأرض السورية لكنها تتواصل معها إنسانياً! وهي جريمة قتل ما يقرب من مليون ونصف المليون أرمني، في محرقة عُرِفت في التاريخ باسم جريمة “إبادة الأرمن”، ورغم أنها حدثت في السنوات الأخيرة لحُكم الدولة العثمانية 1915-1917م، إلا أنها تظل مثالاً على البشاعة والدموية وفي سبيل ذلك نذكر الوجه الآخر للدولة، وجه الغزو والقتل والدم وتأتي مذبحة الأرمن كشاهِد مهم للغاية على دموية تلك الدولة العثمانية، وعلى إجرامها في حق الأقليات، رغم ادعائها التقدّم والحضارة ودعم الثورات ومحبة الأقليات وهي في الواقع نقيض ذلك تماماً: فماذا عن تلك المجزرة؟!
يُحدّثنا التاريخ أن هذه المجزرة قد حدثت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إذ ادّعت الدولة العثمانية بأن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس المُقيمين قرب الحدود الروسية العثمانية. هذا وقد زعمت الدولة العثمانية أن هذه الجماعات حاولت اغتيال السلطان عام 1905م وهو ما تؤكّد كُتُب التاريخ كذبه.
لقد قامت تركيا بين عامي 1915-1917م بتهجير نحو 600 ألف أرمني لتبعدهم عن الحدود الروسية وتقطع عليهم الدعم الروسي، وتم التهجير والترحيل القسري بطرق بدائية جداً فمات من هؤلاء عدد كبير، في ظل ظروف قاسية لتؤدّي إلى وفاة عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ. ويقدِّر الباحثون أعداد ضحايا الأرمن بين 1 مليون و 1.5 مليون شخص. وارتكبت الدولة العثمانية أثناء ذلك مجازر بحق الأرمن وقامت بإعدام المُثقّفين والسياسيين الأرمن والتحريض ضدّهم بشكل عام، وتشير إلى القتل المتعمّد والمنهجي لهم خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. وقامت الدولة بإصدار قانون “التهجير” الذي قضى بالهجرة القسرية لجميع الأرمن من الأراضي التركية نحو سوريا، وخلال مسيرات الهجرة الجماعية وقعت أحداث موت دامٍ ومجازر ومآسٍ إنسانية سجّلتها ذكريات وكُتُب المثقفين الأرمن وهي منشورة وموجودة على صفحات الأدب العالمي.
* واليوم ترفض تركيا وصف الانتهاكات بالإبادة الجماعية وتصفها بـ”المأساة” لكلا الطرفين، وتقول إن ما حدث كان “تهجيراً احترازياً” ضمن أراضي الدولة العثمانية!
***
إن ما يجري في عفرين السورية هو عينه ما جرى في التلل ومع الأرمن وغيرهم من أهل تلك البلاد، ومثل هذا السلوك لنظام يتحالف معه ما يسمّونهم بالجيش الحر، ومن دعم أميركي غير مباشر، لا يُرَدّ عليه سوى بالمقاومة والصمود، فهذا المرض العثماني اسمه الدم والغزو وتزييف الإسلام، وعلاج هكذا مرض لا يكون عادة ببيانات الشجب والإدانة والوقوف على الحياد بل بالمقاومة والقتال، وكما كان يقول القدماء آخر العلاج الكيّ أي المواجهة بالنار، ونحسب أن هذا هو السبيل الوحيد رغم قسوته، تجاه هذا المتغطرس العثماني الذي يريد إعادة مجد سليم الأول على جثث الشهداء السوريين!