مصر الآن
أصحاب مشاريع.. كيف غير "قرض المتعافين من الإدمان" حياة 4 شباب؟
داخل قاعة بمبنى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بمنطقة السيدة زينب في القاهرة، جلس إسلام منصور، شاب في العقد الثالث من العمر، برافقة الأخصائي المعالج لحالته، يستفسر منه عن إمكانية تقديمه على القرض المالي الذي يوفره الصندوق للمتعافين من الإدمان، بهدف مساعدتهم لبدء حياة جديدة.
“إسلام” خضع لرحلة علاج من إدمان الهيروين، استمرت أكثر من عام، ويتنمى الحصول على قرض مثل باقي زملائه الذين التزموا خلال فترة العلاج “نفسي آخد القرض علشان أفتح المشروع اللى بحبه، أنا ربنا كرمني وتعافيت ولسه بتابع مع الصندوق كل فترة”. حيث لم تنقطع زيارته إلى مقر الصندوق الذي يأتي له من منطقة أبو زعبل بمحافظة القليوبية.
قبل ثلاث سنوات، كان “إسلام” ضمن مئات الآلاف من متعاطي المخدرات، الذين يقدر صندوق الإدمان نسبتهم بـ10% من المجتمع المصري، حيث بدأ الشاب في تعاطي المخدرات، ظنًا منه أنها الحل الوحيد التي تجعله ينسى ظروف الحياة القاسية “الظروف وحشة ومكنش ليا نفس لحاجة بس الحمد لله”.
بعد عام من تعاطيه مخدر الهيروين، انتقل إسلام من فئة المتعاطين لينضم إلى فئة المدمنين الذين يقدرون بـ2% من السكان، وفقا لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان.
“نفسي آخد قرض أفتح محل فراخ مجمدة”، قالها إسلام الذي يعمل حاليا بمجزر للفراخ المجمدة ويقوم بتوزيعها على التجار، ويري أن القرض سيفتح له مصدر رزق كبيرا في تجارة الفراخ لما فيها من مكسب، “طن الفراخ في المجزر بـ20 ألف جنيه ومكسبه يعدي النص”، لذا يحرص على الانتظام في حضور الجلسات العلاجية حتى يحصل على القرض.
صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، التابع للوزارة التضامن الاجتماعي وفر على مدار الـ 4 سنوات الماضية مليوني جنيه قروض للمتعافين، بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعي، بأقل فائدة 10.5%، بحسب الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، من أجل مساعدة المتعافين الذين قدر عددهم خلال عامي 2017 و2018 بـ 220 ألف متعافي.
ويقول “عثمان” إن الهدف من القروض يتمثل في توفير حياة كريم للمتعافين من الإدمان حتى لا يعودون للمخدرات مرة أخرى.
بالتزامن مع دخول إسلام المصحة، كان “رمضان حسن” يواظب على حضور آخر جلساته في العلاج. وبعد تعافيه حصل على قرض 50 ألف جنيه، افتتح كوافير حريمي، بشارع العشرين بمنطقة فيصل بالجيزة، قبل 10 شهور، “القرض خلاني أحقق حلمي وافتح مشروعي، والحمد الله الحياة ماشي وربنا يبعد عنا ولاد الحرام”.
“لما كنت مدمن كنت بسرق أي حاجة من إخواتي في البيت علشان أجمع حق الهيروين”، يتذكر رمضان أسوأ سنة في حياته، “بدأت بتدخين السيجارة العادية وانتهت الهيروين.. كان كل همي الكيف ودماغي، بغض النظر عن الفلوس منين، كنت شبه مغيب وقتها”.
قبل عامين، فوجئ صاحب الثلاثين عامًا باتصال من أحد الأطباء الأخصائيين، -أثناء زيارة أعدها الصندوق لمدينتي الأقصر وأسوان للمتعافين-، أخبره خلاله باختياره ضمن النماذج الجيدة للحصول على قرض مالي من بنك ناصر الاجتماعي، ليبدأ به حياته، يقول رمضان: “فرحت جدًا حسيت إن ربنا كرمنا بالتعافي وإني هرجع أعمل مشروع أعيش منه”.
يضع الصندوق عدة شروط لحصول المتعافي على القرض، أبرزها أن يكون مر على تعافيه مدة لا تقل عن سنة، وألا يكون تعرض لأي انتكاسات في تلك الفترة، وأن يقدم فكرة مشروعه للأخصائي المعالج له ومناقشته معه، وألا يكون المشروع محل شبهة تجعله يعود مرة أخرى للتعاطي.
يقول الدكتور هشام جمعة، أخصائي علم النفس وعلاج الإدمان بالصندوق: اختيار المشروعات يكون من المتعافي ولكن الصندوق يرفض المشروعات التي قد تؤثر عليه وتعيده إلى التعاطي”.
رفعت عواد، متعاف ثالث تعرف عليه “إسلام ورمضان” أثناء الزيارة الأسبوعية للصندوق لحضور جلسات المتابعة. يمتلك رفعت محلا لبيع قطع غيار الموتوسيكلات بمنطقة بهتيم في شبرا الخيمة، افتتحه بعد حصوله على قرض المتعافي منذ عامين.
قبل خمس سنوات، عرف “عواد” الأب لـ4 أولاد، طريق المخدرات في جلسة سمر مع أصدقائه. يتذكر جيدًا تلك اللحظات: “كنا بنتنافس على اللي يشرب أكتر حشيش وياخد برشام”، يقولها “عواد” بعدما مر على تعافيه ثلاث سنوات
“الإدمان أكبر أذى مكنتش أتخيل أخف منه” يصف عواد الذي تجاوز الخمسين من العمر حالته قبل علاجه، مشيرا إلى أنه يحرص على الذهاب إلى المستشفى أسبوعيًا لسرد حكايته ومساعدة غيره من المتعاطين.
“القرض كان بالنسبة لي بداية حياة”، يستكمل الرجل الذي أصبح يمتلك محلا خاصا بعدما كان عاملا بإحدى الورش، “مكنتش أحلم أني اكون صاحب محل وكمان بعدت عن التعاطي اللي كان بياخد كل الفلوس”.
“أنا كنت مدمن ودلوقتى الحمد لله حالي أحسن” يقولها أيمن حسن متعافي من الإدمان، حصل على قرض 40 ألف جنيه، اشترى به تروسيكل، ينقل عليه الأجهزة الكهربائية مقابل مبلغ مالي.
تعود قصة إدمانه إلى 10 أعوام، عندما قرر مغادرة منزله بمنطقة روض الفرج إثر خلاف مع والده، بسبب عدم حصوله على مصاريف يومية له مقابل عمله في محلهم الخاص، “كنت بشتغل اليوم كله في المحل ومش باخد أي فلوس”. لذا قرر ابن الـ15 عامًا آنذاك مغادرة المنزل “اشتغلت في محل حلاقة وكنت بنام في المحل”.
يتذكر أول مرة تعاطي فيها مخدر البانجو بعدما أقترح عليه صديقه التجربة، ليتدرج حتى تعاطى الهيروين” فجأة لقيت نفسي مش قادر أبعد عن المخدرات، كان كل همي أنى أعمل كيف ومش مهم أي حاجه تاني في الدنيا”.
أجبره مرض والده على العودة إلى المنزل، ولكن بعدما أصبح مدمن، “رجعت البيت واتزوجت وخلفت أولاد وأنا مدمن”. حاولت ترك المخدرات بعد الزواج مباشرة “كنت فاكر إن المدمن ده مجرم لحد ما شوفت الحملة بتاعت الإدمان ففكرت أروح أتعالج”.
فكرة إعطاء قروض للمتعافين محور مهم من محاور العلاج التي يقوم بها الصندوق، يقول الدكتور هشام جمعة أخصائي علم النفس وعلاج الإدمان بالصندوق، موضحا: يأتي هذا المحور في آخر مرحلة للعلاج، وتسمى بمرحلة الدمج المجتمعي.